القسام- الإنسان الفلسطيني.. سلاح المقاومة الأهم لإفناء "إسرائيل"

المؤلف: سعيد السني11.20.2025
القسام- الإنسان الفلسطيني.. سلاح المقاومة الأهم لإفناء "إسرائيل"

في آخر ظهور له عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، استمر "أبو عبيدة"، المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، في قيادة معركة نفسية ضروس، تتفوق فيها "المقاومة الفلسطينية" في قطاع غزة ببراعة، مستهدفةً الإسرائيليين بمختلف شرائحهم؛ الحكومة، والشعب، والجيش، بالتزامن مع الاشتباكات الضارية التي تخوضها المقاومة ببسالة ضد جيش الاحتلال المجهز بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية.

 قاتل الآباء والأجداد

في خطاب حماسي، يزخر بالقوة والإقناع، تدعمه ملاحم البطولة التي يسطرها الأبطال على أرض المعركة، فخر "أبو عبيدة" بما وصفه عن استحقاق بأنه أثمن ما تمتلكه كتائب القسام: "المقاتل الفلسطيني". لقد نعته بـ "المقاوم، المجاهد"، الذي يتحلى بعزيمة لا تلين، وإصرار لا يلين على مواجهة "الاحتلال"، الذي لطخت يداه بدماء الآباء، والأجداد، والأهل، والأبناء، والأصدقاء على حد سواء.

إن توصيف "أبو عبيدة" لمقاتلي المقاومة الفلسطينية لا يجانب الحقيقة قيد أنملة، بل هو واقع يشهد به القاصي والداني، ويعترف به الخبراء العسكريون المتمرسون.. وقد تجلى ذلك بوضوح في المقاطع المصورة التي يبثها الإعلام العسكري التابع لكتائب القسام وسرايا القدس في غزة. "المقاتل الفلسطيني" شامخ، عنيد، استطاع أن يحطم غطرسة جيش الاحتلال، وأن يدحض أسطورة الردع والتفوق الإسرائيلي، وأجبر جنوده على الفرار مذعورين من ساحات القتال، يصرخون هستيريًا كالأطفال.. بل وأحال الآلاف منهم إلى المصحات النفسية الإسرائيلية، فضلاً عن الخسائر الفادحة في الأرواح والإصابات.. حتى أن بعض جنود الاحتلال باتوا يتوهمون أنهم يقاتلون أشباحًا في غزة.

حماس والجهاد ووثائق المبادئ

ما هو مصدر هذا التحدي العظيم، والإرادة الفولاذية التي تجسدت في مقاطع الفيديو التي توثق عمليات الاشتباك المباشر، وزرع العبوات الناسفة "يدويًا" بالدبابات، وتفجيرها؟. ما الدافع الذي يجعل المقاوم يقدم على المخاطرة بحياته ببسالة، دون خوف أو تردد من الموت؟. كيف تم إعداد روحه وعقله وتقويتهما إلى هذه الدرجة الاستثنائية من الصلابة؟.

ينتمي أغلب المقاومين في غزة- وخارجها في الضفة الغربية- إلى حركة حماس (كتائب القسام)، وبنسبة أقل إلى حركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس)، وفقًا لما جاء في وثائق المبادئ الخاصة بالحركتين، فكلتاهما تستمد مرجعيتها من الدين الإسلامي الحنيف، وتعارضان الكيان الصهيوني، باعتباره مشروعًا عدوانيًا، عنصريًا، توسعيًا.. وتوجد بعض الاختلافات الفكرية البسيطة بينهما: فحماس تتمتع بقدر أكبر من المرونة السياسية، بينما الجهاد تتبنى موقفًا أكثر تشددًا.

تعتبر الحركتان المقاومة المسلحة للاحتلال واجبًا دينيًا مقدسًا، يهدف إلى تحرير فلسطين كاملة (من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط)، وعاصمتها القدس الشريف، دون التنازل عن شبر واحد من الأرض الفلسطينية المباركة. وتلتزم المقاومة، وفقًا للشريعة الإسلامية، بقيم وأخلاق الحرب في الإسلام، من حيث تحريم قتل النساء والأطفال والشيوخ، والرفق بالأسرى، وهو ما شهد به الأسرى الإسرائيليون المفرج عنهم أثناء الهدنة التي استمرت سبعة أيام في الحرب الحالية.

العقيدة القتالية.. والأرض المُباركة

إن أي جندي أو مقاتل، سواء كان فلسطينيًا أو غير ذلك، يكون مدفوعًا بـ "عقيدة قتالية" تتكون، حسب آراء الخبراء، من ثلاثة عناصر أساسية؛ أولها مادي، وهو فعل القتال ذاته، بأساليبه وتكتيكاته المتنوعة. وثانيها فكري، يتعلق برؤية الصراع وأسسه وأهدافه. أما العنصر الثالث والأهم، فهو عقدي أو معنوي، ويتمثل بالنسبة للمقاومة الفلسطينية في "العقيدة الإسلامية"، التي تولي "فلسطين" مكانة سامية، باعتبارها تحتضن "بيت المقدس"، الأرض المباركة، ومسرى النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- ومعراجه، ومهد المسيح، عليه السلام.

تشير وثائق المبادئ الخاصة بحركتي حماس والجهاد إلى هذا المعنى بوضوح، فاحتلال الأراضي الفلسطينية وتدنيس الأماكن المقدسة، والرغبة العارمة في تخليص المسجد الأقصى من قبضة الصهاينة، يشكل كل ذلك حافزًا قويًا للمقاوم الفلسطيني، يدفعه للإقدام بشجاعة على قتال المحتل الإسرائيلي، وهذا يفسر المغزى العميق وراء اختيار اسم "طوفان الأقصى" للمعركة.

نصرٌ أو استشهاد.. واللواء الدويري

يرى الخبير العسكري اللواء فايز الدويري أن المقاتل الفلسطيني يتمتع بجرأة وإقدام منقطعي النظير، رغم علمه بنسبة كبيرة قد تصل إلى 99% بأنه قد يلقى حتفه (وينال شرف الشهادة).. لكنه لا يتردد لحظة واحدة، بفضل الإعداد والتأهيل الثقافي والفكري والعقائدي الذي تلقاه. ذلك أن عقيدة "المقاوم الفلسطيني"- سواء كان من حماس أو الجهاد أو غيرهما- يمكن تلخيصها في شعار: "إنه لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد"، وهو الشعار الذي يختتم به "أبو عبيدة" خطاباته وبياناته العسكرية. فالمقاوم يضع نصب عينيه أحد هدفين: إما تحقيق النصر الساحق وتحرير الأرض المحتلة.. أو الاستشهاد في سبيل الله العلي القدير، طمعًا في الفوز بالجنة التي وعد الله بها عباده المخلصين.

ولكن هذا ليس كل ما في جعبة التكوين النفسي والأخلاقي والقتالي للمقاوم الفلسطيني.. فهناك حافز آخر لا يقل أهمية.. ألا وهو هذا الكم الهائل من المحارق النازية والمجازر المروعة التي يرتكبها جيش الاحتلال على فترات متقاربة في حق أهالي غزة، والتي تخلق شعورًا طاغيًا بالكراهية والقهر في نفوس كل من شهدها وعايشها، سواء كان طفلاً أو شابًا أو شيخًا.

البركان والرغبة في الانتقام

لا يمكن لأي شخص من أهل غزة أو الضفة الغربية أن ينسى أو يتسامح مع هذه الكوارث الإنسانية البشعة وما خلفته من دمار وخراب، أو مع قتل أفراد أسرته أو عائلته، أو ابنه أو أخيه أو صديقه أمام عينيه. فمثل هذا الإنسان لا شك سيتملكه شعور جارف بالقهر والعجز عن إنقاذ هؤلاء الأعزاء عليه.

وبحكم طبيعة الأمور والنفس البشرية، تتحول هذه المشاهد المروعة إلى بركان هائج لا يهدأ عن الغليان، وتوقد فيه الرغبة الجامحة في الثأر والانتقام من هؤلاء الصهاينة النازيين، الذين يمتلكون سجلًا أسود حافلًا بالمجازر والفظائع في حق الشعب الفلسطيني، منذ أربعينيات القرن الماضي ونكبة عام 1948 المشؤومة.

فماذا ننتظر من إنسان عاش هذه المحارق بنفسه وحُفرت تفاصيلها المؤلمة في ذاكرته.. أو سمع من آبائه وأجداده حكاياتهم المأساوية التي عايشوها مع المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين، وما تعرضوا له من قتل وتشريد وتهجير قسري؟.

المؤكد أنه سيتربص الفرصة السانحة للانتقام، والانخراط في صفوف المقاومة، باذلاً روحه رخيصة في سبيل معاقبة قتلة أهله وأحبائه.. ومن هنا، أشار "أبو عبيدة" في خطابه الأخير إلى أن هذا الكيان النازي البغيض قد صنع لنفسه عدوًا لدودًا ومقاتلًا شرسًا حاضرًا ومستقبليًا، في كل بيت فلسطيني وعربي.

إنّ الإنسان المقاتل المقاوم، المجاهد، الذي تحدث عنه "أبو عبيدة"، هو بالفعل "السلاح الأمضى" للمقاومة، الذي سيضع حدًا لهذا الكيان الغاشم، ويطوي صفحته إلى الأبد.

 

 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة